This is a selection of dated articles and speeches written and/or pronounced by Ziyad Baroud.
For some selected texts, an English translation is provided at the bottom of the original text.

هذه سلسلة مختارة من مقالات و كلمات زياد بارود.
لبعض النصوص المختارة، هناك ترجمة باللغة الإنكليزية في أسفل النص الأساسي.

وزير الداخلية السابق المحامي زياد بارود في حوار مفتوح بلا قيود:  أخشى أن يؤدي التوافق على حكومة جامعة الى توافق على تطيير استحقاق رئاسة الجمهورية!

Al Afkar logo

As published in: Al Afkar

وأخيراً وُلدت حكومة المصلحة الوطنية بعد مخاض استمر لأكثر من عشرة اشهر تخلله الكثير من وضع الشروط والشروط المضادة، الى أن تصاعد الدخان الأبيض من قصر بعبدا وأعلنت الحكومة السياسية الجامعة. لكن لا تزال هناك عقبات أمامها بدءاً من عقدة البيان الوزاري الى نيل الثقة في مجلس النواب، ومع هذا كله يطرح السؤال عما إذا كانت هذه الحكومة ستنجز الاستحقاق الرئاسي في موعده أم ستكون وريثة صلاحيات الرئيس إذا حصل الفراغ الرئاسي لا سمح الله؟!
<الأفكار> التقت وزير الداخلية السابق زياد بارود داخل مكتبه للمحاماة في الأشرفية وحاورته في هذا الخضم عشية إعلان مراسيم الحكومة، فكان كعادته هادئاً ورصيناً يزن كلماته بميزان الجوهرجي ويضع النقاط فوق الحروف بكل شفافية وموضوعية ومن دون شروط مسبقة.

قراءة المشهد السياسي

سألناه بداية:
ــ كيف تقرأ المشهد السياسي الداخلي في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ لبنان، وهل هو مرتبط بالأزمة السورية حكماً؟ أم يمكن تحييده عما يجري هناك قدر الإمكان؟
– عندما تحاول أن تقرأ في السياسة اللبنانية يخيل إليك وكأنك من الأميين وتصعب القراءة، أولاً بسبب ضبابية المشهد، وثانياً بسبب التعقيدات المختلفة الداخلية بداية والمرتبط أيضاً بالأزمة السورية. وبالتالي تصبح قراءة المشهد السياسي من المستحيلات، إلا إذا كانت من قبيل الضرب بالرمل كما يقال، أو التوقعات. فالتحليل المنطقي يقول شيئاً والواقع شيئاً آخر، وإذا بدأنا في الموضوع الحكومي لنصل الى الاستحقاق الرئاسي وما بينهما، يتبيّن لنا أن اللبنانيين يعيشون على وقع منسوب من التفاؤل والتشاؤم لا يخضع لأي اعتبارات منطقية، فترى أن مسألة التأليف اصطدمت بمعوقات أو شهدت نوعاً آخر من الحلحلة من دون أن نفهم لماذا.
ــ أخيراً ولدت الحكومة الجامعة وتقدم هذا الخيار بعدما استبعد خيار الحكومة الحيادية. فهل كنت تتوقع ذلك برغم التهديد بإعلان مثل هذه الحكومة؟
– منذ البداية كنت أستبعد اللجوء الى خيار الحكومة الحيادية أو حكومة الأمر الواقع. وأعتقد أن الرئيسين ميشال سليمان وتمام سلام حريصان على البلد وعلى عدم خلق إشكال كبير على الأقل في الوضع الراهن.

الخشية من فخامة الفراغ

ــ هل صحيح أن موقف بكركي فرمل اندفاعهما في إنجاز خيار حكومة الأمر الواقع بعد تعقيدات التأليف؟
– لا.. موقف بكركي هو موقف مبدئي لا يدخل في تفاصيل التأليف، وهو موقف يتقاطع في كثير من جوانبه مع موقف الرئيس سليمان ويراعي أيضاً الجو المسيحي العام وتحديداً المكونات السياسية عند المسيحيين، ولكن ليس لدرجة منع تشكيل حكومة إذا كان تشكيل الحكومة هوالمخرج للأزمة في البلد، والأمر كان رهن التوافقية حول هذه الأمور. ولكن ما أخشاه هو أن ينطوي هذا التوافق لا سمح الله على توافق آخر يقضي بتطيير استحقاق رئاسة الجمهورية. فحكومة توافقية في حزيران (يونيو) أو آب (أغسطس) الماضيين شيء، وحكومة اليوم على مشارف انتخاب رئيس الجمهورية شيء آخر. وأخشى أن يكون المطلوب من الحكومة التوافقية أن تحل محل فخامة الفراغ وأن تصبح هي التي تدير شؤون البلد. وهذا أمر في رأيي دونه محاذير كثيرة. وأخشى فعلاً على الاستحقاق الرئاسي أن يسقط تحت عنوان استحالة التوافق حول رئيس وأن الحكومة التوافقية تستطيع أن تملأ الفراغ آنذاك.
ــ طالما حصل التوافق على حكومة، لماذا لا يحصل على رئيس جديد خاصة وأن الجو الدولي يميل الى تمرير الاستحقاق وتحصين البلد والحفاظ على استقراره؟
– الجو الدولي حريص على الاستقرار وليس على الرئيس، وبالتالي إذا تم تأمين الاستقرار بشيء آخر، قد يتم القبول به. لست أدري ما قد يحصل، ولكن ما أحاول قوله إن استحقاق الرئاسة هو من الاستحقاقات المفصلية، وهو يؤدي في حال انتخاب رئيس الى تشكيل حكومة في اليوم التالي، وكذلك لا أفهم اليوم تشكيل حكومة عشية بدء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، ونحن نستطيع انتخاب رئيس بدءاً من 25 آذار (مارس)، والحكومة اليوم شكلت قبل شهر عملياً من المهلة الدستورية وهي تحتاج الى إعداد بيانها الوزاري وبحاجة أن تحصل على الثقة من مجلس النواب، وبالتالي سيتقاطع عملياً بدء عمل الحكومة مع بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس، وأنا كمواطن وكمراقب لا أستطيع أن أتفهم هذا الموضوع إلا إذا كان بريئاً وكنت أنا من أصحاب الأفكار السوداء.
ــ هل هناك نيات سيئة للوصول الى الفراغ؟
– لا أحكم على النيات، بل أعبر عن خشيتي من أن يكون التوافق على حكومة جامعة ينطوي على توافق لتطيير الاستحقاق الرئاسي على الأقل في المدى المنظور، لأن البعض يقول: <تعالوا ننتظر ريثما ننتهي من حرب سوريا لننتخب رئيساً>.. فهذا خطأ كبير وأمر غير مقبول على المستوى الدستوري. كما أننا لا ندري متى ستنتهي الأزمة في سوريا.. فلماذا ربط الأمور بعضها ببعض، ولماذا حرمان لبنان من إمكانية الاستقرار عبر انتخاب رئيس وتشكيل حكومة بتوافق مع كل القوى المؤثرة لكي يعبر لبنان الفترة الانتقالية بين الحالة القائمة اليوم في سوريا وبين كيفيةانتهاء الأمور في سوريا وعلى ماذا ستنتهي، بأن يمرر لبنان المرحلة بأقل الخسائر الممكنة؟! وعندما يتحدث بعض سفراء الغرب عن الاستقرار الداخلي، فالمقصود هو أقل الخسائر الممكنة ريثما تنتهي الأزمة في سوريا.
ــ في تقديرك هل الاستحقاق الرئاسي سيؤجل خاصة وأن إصرار المعنيين على أن يتمثلوا في الحكومة معناه احتمال أن ترث صلاحيات الرئيس، أم أن التمديد الرئاسي وارد؟
– هذا تحديداً ما أحذّر منه، وأنا أسمع من فخامة الرئيس سليمان كلاماً ضد التمديد، ويشير الى استحالة هذا التمديد تقنياً بعدد الأصوات. وأرى أنه ليس من المواضيع المطروحة ومن اعترض على التمديد للمجلس النيابي وأنا واحد منهم، لا يستطيع أن يرضى بأي تمديد آخر على مستوى أي مؤسسة دستورية، والموضوع لا يرتبط بشخص الرئيس، بل هو موضوع مبدئي، ولذلك حتى الرئيس سليمان في محطات عديدة قال بعدم رغبته في التمديد.

لا بدّ أن يكون الرئيس صناعة لبنانية

ــ يقال إن هناك مرحلة لا بد منها تسبق انتخاب الرئيس وهي أولاً شد حبال داخلية وترشيحات من كل فريق أو للاستهلاك سواء الرئيس أمين الجميل أو العماد ميشال عون أو الدكتور سمير جعجع أو بطرس حرب أو سليمان فرنجية واعتراضات وتعقيد سياسي إذا لم يترافق مع تصعيد أمني حتى يتم التوافق فيما بعد على رئيس توافقي، خاصة وأن الرئيس لم يكن صناعة داخلية في أغلب المحطات. فما هي قراءتك لهذا التحليل؟
– هناك محطات عديدة كان الرئيس فيها صناعة داخلية، ورأينا عندما كانت المعركة محتدمة في المجلس النيابي بين الراحلين سليمان فرنجية والياس سركيس.
ــ يقال إن هذا هو الاستثناء. فماذا تقول أنت يا صاحب المعالي؟
– في رأيي، هذا الاستثناء يجب أن يكون مثالاً وعلى اللبنانيين أن ينتخبوا رئيسهم. وهذا ليس كلاماً شعرياً بل لا بد أن يكون هذا الكلام واقعياً. نعم هناك تأثيرات خارجية ولكن هذه التأثيرات يجب ان تكون جانبية ولا تكون هي القاعدة. واليوم بالنسبة للاقطاب الموارنة فهؤلاء يمثلون حالة شعبية وسياسية كبيرة، ومن حقهم أن يترشحوا كما من حق غيرهم أن يترشح، والمشكلة أولاً في عدم فرض الترشيح للرئاسة. وأعتقد أن هذا الأمر يجب أن يعدل بواسطة الدستور، بحيث يفرض الترشيح المسبق ويفرض برنامج واضح ولا يكون البرنامج هو خطاب القسم، إنما يكون قبل الترشح وأن يلتزم به هذا المرشح. وللأسف ليست لدينا ترشيحات اليوم، وهذا أمر يؤثر عملياً على آلية الاختيار، والمشكلة ليست هنا بل هي في التوقيت، وهذا الاستحقاق يأتي في الوقت ذاته حيث هناك أزمة كبيرة في سوريا، ويأتي في ظل المفاوضات الأميركية – الايرانية في الملف النووي ويأتي في مرحلة أمنية خطيرة يمر بها البلد نتيجة تداعيات الازمة السورية، وبالتالي فالتوقيت هو الذي يطرح الإشكالية، وهذا التوقيت قد يجعل قوى مؤثرة في الوضع اللبناني تضغط باتجاه انتخاب رئيس لتأمين الاستقرار. كما ستعمل قوى أخرى ربما لتطيير هذا الاستحقاق لتفاقم الأزمة، لأنها قد تتضرر من أي استقرار. وهنا علينا احترام المهل الدستورية سواء أكانت رئاسية أو نيابية أو تشكيل حكومة لانها تعزز استقرار البلد وكل من يذهب في اتجاه معاكس يضر ولا يؤمن الاستقرار بأي شكل من الأشكال.
وأضاف:
– والعنوان الرئيسي في المرحلة المقبلة هو استقرار البلد، لاسيما وأننا نمر في اوقات صعبة، وحدودنا ليست بحدود، والوضع السوري يلقي بثقله إن في الموضوع الأمني العسكري، أو في الموضوع الانساني، ولا يمكن أن يستمر لبنان متروكاً دون أي دعم. نعم هناك مجموعة الدعم الدولية للبنان بعد اجتماع نيويورك يوم 25 أيلول (سبتمبر) الماضي، وهي مجموعة يجب أن تكون فاعلة والحكومة اللبنانية والرئيس قاما بما يستطيعان القيام به في هذا الاتجاه، لكن على المجتمع الدولي أن يفي بالتزاماته تجاه لبنان لحمايته من التداعيات الخطيرة على المستوى الانساني والاقتصادي والاجتماعي وأيضاً على المستوى الأمني.

رئيس يتبنى خارطة بكركي

ــ أي رئيس يتطلب لبنان في هذه المرحلة وهل هو الرئيس الذي يملك خلفية عسكرية أم اقتصادية أم سياسية، وهل سيكون حكماً توافقياً؟
– المطلوب رئيس يتبنى ما ذكرته مذكرة بكركي الوطنية التي أعطت نوعاً من خارطة طريق في هذاالموضوع ولم تفضل مارونياً على آخر. وفي رأيي غبطة البطريرك بشارة الراعي وبكركي لن يكونا في موقع التفضيل بين ماروني وآخر، بل سيكون التفضيل في حال سئلت بكركي، ويجب أن تُسأل حول خارطة الطريق ومواصفات هذا الرئيس وضمن أي حد ممكن أن يكون رئيساً قوياً. فالرئيس القوي أيضاً هو القوي بقدرته على جمع اللبنانيين وعلى مخاطبة المجتمع الدولي وعلى الحصول على ثقة اللبنانيين. وهذه هي إحدى المواصفات المطلوبة. وهل المرحلة أمنية أم إدارة أزمة أم غير ذلك، فهذا جزء من المواصفات المطلوبة وتبحث في حينه. ولذلك أنا ضد ما يحكى عن استبعاد الأشخاص سواء أكانوا أقطاباً أم كانوا من مواقع أمنية او اقتصادية. وأرى أن لعبة الأسماء خطيرة ولا يجب أن ندخل إليها إلا بعد استنفاد تحديد مهمة الرئيس المقبل وما المطلوب منه وعندئذ نرى أي رئيس سيكون الأقوى للبنان.
ــ على سيرة مذكرة بكركي، هل هي ناتجة عن إحساس البطريرك الراعي بخطورة المرحلة وتداعيات الأزمة السورية وبالانقسام الحاصل؟
– هي مذكرة وطنية لا تتوجه الى المسيحيين فقط، بل الى كل اللبنانيين وتضع جسوراً بين بكركي وبين مختلف الشركاء في الوطن. وهذا منحى اعتمدته بكركي ولا تزال، بمعنى ألا تكون منغلقة على ذاتها، بل منفتحة على الآخرين وعلى كل المكونات الحية في المجتمع اللبناني. وهذا أمر واضح في المذكرة، وهي في توقيتها تأتي لتقول إن لبكركي موقفاً من كل القضايا المطروحة، وهذا الموقف واضح وخطي ومكتوب ولا لبس فيه. والمذكرة التي لقيت استحسان السواد الأعظم من القوى السياسية هي مذكرة للنقاش وليست قائمة بذاتها وليست نهاية المطاف، بل هي تنطوي على دعوة للنقاش مع مختلف الحكومات حول كل المسائل المطروحة، وحل هذه المسائل موضع إشكالية وبحاجة الى نقاش وطني يصل الى اصلاحات وتدابير عملية. فليس مطلوباً من بكركي أن تؤمن آلية تطبيقية للمذكرة، والمطلوب من القوى السياسية أن تتعامل مع هذه المذكرة على أنها مشروع نقاش وحوار وهذا أمر جيد.

الشراكة وأصولها

ــ كماروني نسألك بصراحة: عندما ترى أن هناك تمسكاً بحقيبة ما، هل تؤمن الشراكة الوطنية من خلال هذه الحقيبة أو تلك، أم أن الأمر أبعد من ذلك؟
– الإشكالية الحقيقية دستورية وليست سياسية، ففي الدستور هناك ثغرات عديدة وعندما يتحدث رئيس الجمهورية عن تعديلات، فهو لا يعني الصلاحيات التي تتمسك بها بعض الطوائف، وإنما يقصد هذه الثغرات التي تمنع تشكيل حكومة أحياناً، أوتمنع رئيس الجمهورية من أداء دوره كحكم وكحاكم للدستور. فعلى سبيل المثال فقط، ان تكليف الرئيس تمام سلام تخطى عشرة أشهر. وآخر النماذج في هذا السياق كان الدستور التونسي الذي صدر في الشهر الماضي وهو يعطي مهلة شهر لرئيس الحكومة المكلف تمدد لشهر آخر وتصل الى أربعة أشهر كحد أقصى، يستطيع بعدها رئيس الجمهورية أن يحل مجلس النواب إذا لم تشكل الحكومة، فماذا أعطينا لرئيس الجمهورية لحسم الأمور بعد عشرة أشهر من النقاشات ومحاولات التأليف منذ بدء التكليف؟ وما أقصد قوله إننا نحتاج الى سد الثغرات الدستورية.
ــ يقال إن هذا الأمر نوقش خلال اجتماعات الطائف وسأل النائب ادمون رزق عن المهلة فاعترض الرئيس صائب سلام ورفض أن يتحكم رئيس الجمهورية بالرئيس المكلف إذا أراد، فكان التوافق على أن حدود المهلة هي المصلحة الوطنية. ألا يمكن أن تعدل هذه الثغرة في جو سياسي هادئ مستقبلاً؟
– أنا أسأل في المقابل: لماذا هناك مهلة لرئيس الجمهورية لإصدار القوانين رغم أن الوزير ليس لديه مهلة؟! فمنطقي إذا لم نربط رئيس الحكومة المكلف بمهلة، يجب أن ينسحب ذلك على رئيس الجمهورية أيضاً. وأفهم آنذاك الموضوع بالنسبة للجميع، لكن أن يترك الرئيس وحده مقيداً بمهلة وسائر المؤسسات الدستورية تكون خارج أي مهلة، فالأمر غير منطقي وغير عادل. وبالتالي فالموضوع لا يرتبط برئيس الحكومة السنّي بل بحالة الاستقرار في البلد وبالحاجة الى حسم التأليف الحكومي ضمن مهلة معقولة. فلا أحد يقول إن عدم التأليف سيؤدي الى استبدال رئيس الحكومة السني بشخص من طائفة أخرى، بل قد يكون من مصلحة الرئيس المكلف أن يعتذر أحياناً وهذا مخرج له. وما أحاول قوله إن حالتنا الدستورية سيئة وتتضمن العديد من المطبات، وإذا لم نعالج هذه المطبات والثغرات ستبقى قائمة الى ما لا نهاية. والدليل ما نشهده اليوم وسبق وشهدناه في مراحل أخرى من صعوبة في تأليف الحكومة لدرجة أنه إذا أحصينا عدد أيام تصريف الأعمال مقارنة مع عدد أيام الحكومة القائمة فعلياً، نجد أن هناك مساواة بينهما خلال العهد كله، حتى إن العهد شهد 3 حكومات وعدد أيام تصريف الأعمال يقارب نصف عمر العهد وهذا خطير. ولذلك أرى في موضوع الحكومة والوزير والوزارة تفاصيل ناتجة بشكل أساسي عن ثغرات دستورية لا بد من معالجتها.
ــ هل صحيح أنه عرض عليك أن تتوزر من جديد؟
– لا… فلم يعرض عليّ شيئاً كي أقبل أو أرفض، لكن الواضح أنني عندما اخترت ألا أكون جزءاً من الحكومة السابقة، كان خياراً شخصياً ولم أندم عليه، ولا أزال مستمراً بهذا الرأي.

الأمن والحدود الفالتة

ــ في ظل الوضع الأمني المتفجر والمتفلت مع ثقافة الانتحاريين، هل تحول لبنان في تقديرك الى ساحة جهاد للتنظيمات المتطرفة؟
– عندما نتحدث عن الحدود البرية مع سوريا وعن الحدود البحرية وعن الجزر الأمنية في الداخل من مجتمعات وغيرها، لا أتفاجأ إطلاقاً من الواقع الأمني السيئ، لأن كل هذه المعطيات كانت تؤشر للوصول الى هنا. فلا يمكن لبلد حدوده <فلتانة>، وسيادة دولته على أراضيها منقوصة بأكثر من مكان والسلاح منتشر بشكل خطير، أن يفاجئ أبناءه بتردّي الوضع الأمني. وأعرف أن الأمن سياسة أيضاً وعندما أصبحت السياسة غير قادرة على ضبط الأمن خصوصاً، بعدما شهدنا تداعيات الأزمة السورية، ما أدى الى ما نحن فيه.
ــ كيف يجب أن تكون المعالجة؟
– تشكيل الحكومة لن يكون كافياً لضبط الوضع الأمني لأن حالة التكفيريين والانتحاريين وكل هذه الحالات المستجدة لا ترتبط فقط بالموضوع اللبناني وبالموضوع الحكومي تحديداً، إنما ترتبط بشكل خاص بكل ما يحصل في المنطقة.
أما في الموضوع الداخلي، فالجيش والقوى الأمنية يقومان بكل ما يستطيعان دون انتظار تشكيل حكومة أو عدم تشكيلها، وأداء القوى الأمنية كامل لا يرتبط بالحكومة وتشكيلها، ولذلك ربما تشكيل الحكومة يؤدي الى حد أدنى من التضامن اللبناني لمواجهة المخاطر الأخرى. ولكن هذه المخاطر التي أصبحت عابرة للحدود تستوجب تدبيراً آخر، لا بل تستوجب من الدول الصديقة للبنان أن تساهم هي أيضاً في ضبط هذا الموضوع.
ــ هل يكون ذلك من خلال وقف دعمها للمجموعات الإرهابية؟
– من خلال عدم الدعم والضغط والتعاون المخابراتي وغيرها من التدابير.
ــ لو اعتمد الأطراف سياسة النأي بالنفس وطبقوها، هل كنا شهدنا ما يحصل؟
– لا شك لو أنه استطعنا تحييد لبنان عن الموضوع السوري لكنا في وضع أفضل..

استحالة تحييد لبنان

ــ هل كان يمكن ذلك؟
– لا أعرف. فهناك نظرية تقول إن التحييد كان مستحيلاً وأنه في كل الأحوال، الحالة التكفيرية كانت ستدخل الى لبنان.
ــ حتى من دون مشاركة حزب الله في القتال في سوريا؟
– التاريخ يقول لنا من كان على صواب ومن كان على خطأ ولا بد من الانتظار.
ــ وكيف استقبلت تفكيك مخابرات الجيش للشبكات الإرهابية واعتقال عناصرها ومصادرة سياراتها المفخخة؟
– أعتز بكل ما يقوم به الجيش وأفتخر بأنه لدينا قوى عسكرية تقوم بمهمات في كثير من التفاني والمهنية، وبكثير من العمل الجدي. وخوفي هو استنزاف الجيش في مهمات على الحدود، وفي الداخل وفي مكافحة الإرهاب مع إمكانيات متواضعة. وهنا موضوع دعم الجيش بثلاثة مليارات دولار دخل في السياسة بدل أن يكون جزءاً من الإجماع اللبناني على دعم الجيش. فهذا الجيش الذي يدفع أثماناً غالية، لا بد من دعمه بصورة أفضل، ولا بد من إعطائه كل الإمكانيات ليتمكن من القيام بواجبه وتفكيك الخلايا الإرهابية مهم جداً، ولكن يجب ألا ننسى – والجيش يقول ذلك – أن ثمة خلايا أخرى لا بد من تفكيكها. والحرب لم تنتهِ، وهذه معركة ضروس لا يزال الجيش يخوضها دون هوادة.

لا بيئة حاضنة للإرهاب

ــ وماذا عما يقال عن وجود بيئات حاضنة للإرهاب؟
– لحسن الحظ، إن البيئة الحاضنة للإرهاب وللتكفير ليست فعلاً قائمة في لبنان، بل هناك بعض الحالات المعزولة في رأيي عن منطقتها وعن طائفتها. وهذه الحالات هي أحياناً رد فعل، ولكن في أغلب الأحيان هي نتيجة إيحاءات خارجية ودعم خارجي وأجندة خارجية، ولذلك أرى أننا لم ندخل بعد ما يشبه النموذج العراقي ولا زال في الإمكان تجنب الأسوأ. وأعتقد أن المواقف التي صدرت عن بعض القيادات السياسية وبعض القيادات الدينية المعنية بهذا الملف، وهي مواقف معتدلة جداً ضد قتل الأبرياء، كانت مواقف تدل على أن البيئة السياسية ليست حاضنة لهذه الظواهر، والبيئة الشعبية في معظمها مناهضة لهذا الشكل من أشكال التخاطب.
ــ بالأمس كانت الذكرى التاسعة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتزامنت هذه المرة مع انعقاد جلسات المحكمة الدولية. فكيف تحكم على مسار هذه الجلسات في ظل ما يقال أن لا أدلة سوى الاتصالات كما تبين من خلال مجرى المحاكمات؟
– أظن أن المحكمة الدولية أصبحت أمراً واقعاً، وهي مستمرة، ولم نعد في صدد التشكيك بوضعها لأنها قائمة. والموضوع اليوم يرتبط بأداء المحكمة وبقرارها النهائي. وبالتالي فإن تحصين المحكمة يمر إلزامياً عبر قانونية الإجراءات وعبر صلابة القرار الذي ستنتهي إليه من ناحية التعليل والبراهين والأدلة التي سيستند إليها الاتهام. وإذا كان هذا الأمر محققاً، فالمحكمة وحكمها سيكونان في منأى عن أي انتقاد. ولذلك يجب متابعة الموضوع من هذه الزاوية. وأنا كمحامٍ أتابع الإجراءات وأعتبر أن حق الدفاع يجب أن يكون مؤمناً، ولكن يبقى أن نرى درجة التعليل وصدقية البراهين والأدلة والقرائن، وعندها يبنى على الشيء مقتضاه لناحية صدقية المحكمة. وأعتقد أن أهم من تشكيل المحكمة هو أن يتسم حكمها النهائي بالصدقية وأن يتمكن المواطن العادي الذي يقرأ هذا الحكم من أن يرى منه حقيقة، وأن لا يرى فيه أي نقض أو التباس. وهذا هو التحدي. وأتمنى أن تتمكن المحكمة من رفع هذا التحدي خدمة للحقيقة ولنعرف ماذا حصل، لأن الموضوع كبير في لبنان ويعني عدداً كبيراً من اللبنانيين وليس فقط عائلات الشهداء والمعيار هو صدقية الحكم النهائي.

بقلم زياد بارود

Al mudun logo - ZB

Published in: Al Mudun

ليس جديداً على المشرق العربي أن تقضّ الطائفية مضاجعه. وليس غريباً عليه أن يتداخل الديني والسياسي. وليس عجيباً أن يغرق هذا المشرق في بحور تخلّفه عن اللحظات التاريخية والمحطات الجيوسياسية التي لربما كانت غيّرت في مساره وخرائطه. لكنّه، أي المشرق، يعشق التاريخ، لا ديناميته ودروسه وخلاصاته، ويُبقي الجغرافيا في دفاتر التاريخ، ليستفيق بعد حين على حدود أخرى، وربما على حدّ الهاوية.وبين الهاوية والهوية، خيط رفيع وعصا غليظة في آن. تقترب الهوية من الهاوية كلما غاصت في التاريخ تبحث عن أصولها (ولو كانت فينيقية)، وكأنها تُؤثر أن تبقى في الماضي بدلاً من دخول الحاضر بتحدياته وتبدّلاته ومقتضياته، فإذا بالهوية المأزومة بذاتها تعبّر عن أزمة تفكير وأزمة بدائل وأزمة مصير.

لماذا عجز المشرق العربي، حتى الآن، عن حماية تركيبته المتعددة، إتنياً وطائفياً، والانتقال بهذه التركيبة إلى حيّز غنى التكوين وإيجابيات التنوّع؟ وكيف انتهى به الأمر وقوداً لمشاريع جيوسياسية خارجية قبضت على حركة التاريخ فيه وضبطت إيقاع الجغرافيا؟

من الواضح أن بعض الصراعات الدينية والطائفية يرتبط بديناميات التنافس والتباعد ومحاولات الإقصاء المتبادل. ومن هذه الزاوية، فهي من طبيعة التكوين المتنوّع للمجتمعات. أما أن تدخل على خط تركيبة المجتمع السياسي وتركيبة الدولة (بمفهومها المعاصر)، فتصبح مهدّدة للكيان ولانتظام الحياة السياسية، فأمر يدعو إلى التفكير. هذا التفكير يقودنا سريعاً إلى سبع ملاحظات وخلاصة.

الملاحظة الأولى: أن الفصل بين الدين والدولة، بين الله وبين من اختلفوا على عبادته، يبدو غائباً ومغيّباً، بل إن التداخل بين السياسي والطائفي هو اليوم في الذروة. وقد تساوى المسيحيون (الصليبيون) مع المسلمين (الجهاديين) واليهود (الصهاينة) في سعيهم إلى إدخال الديني إلى الباحة الداخلية لمنازلهم الكثيرة.

الملاحظة الثانية: أن القوى صاحبة التأثير، أكانت عظمى أو معظّمة، عرفت كيف تستغلّ هذه التركيبة وعرفت كيف تُذكي عصبيات سهلة التحريك لتجعل الانقسام عمودياً فتفتّت كيانات وتعيق قيام قوميات وتضرب الحالة العلمانية الناشئة.

الملاحظة الثالثة: أن أزمة الدولة في المشرق العربي سهّلت مهمة تلك القوى التي ذكرت. فبين الذاتية “الزعاماتية” المرضيّة، وبين الشرعية الدينية، وبين لازمة “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، وبين قوانين الطوارئ النصف قرنية، وبين الفساد الرسمي والخاص جدا في آن، غابت الدولة الحامية وحلّت محلّها دولة الحاكم، وهذه الأخيرة لا يمكن أن تكون سوى شركة عائلية بأسهم إسمية تقوم على قاعدة العرض والطلب في سوق غالبا ما تبيع بضائع فاسدة ومنتهية الصلاحية.

الملاحظة الرابعة: أن مسؤولية ما تقدّم تقع على عاتق طبقة سياسية غير تفكيرية! طبقة سياسية اعتمدت وتعتمد ردّ الفعل في أحسن الأحوال، ولا تبادر في أي من الأحوال. طبقة سياسية تعيش على بركة الله وتترك للصدفة أن تسيّر الأمور. طبقة سياسية لا تستشرف ولا تبحث في التحوّلات ولم تقرأ في كتاب التاريخ، أي كتاب ولأي تاريخ، أن لا شيء جامداً سوى من يخرج من بوابة التاريخ ميتاً. هذه الطبقة التي لا تقدّم حساباً ولا تحاسب حتى، هي المسؤولة الأولى عن أخذ شعوبها رهائن في صراعات دينية وعرقية وطائفية، لا لسبب إلاّ لأنها لم تحسن خيارات أخرى.

الملاحظة الخامسة: هذه الخيارات الأخرى هي تلك التي تستشرفها وتستنبطها حالة سياسية رائدة، تأخذ مجتمعها من حيّز التقوقع إلى رحاب الانفتاح ومن حيّز ردّ الفعل إلى حيّز المبادرة. لكن هذه الحالة السياسية لا يمكن أن تكون وليدة الصدفة أو مستوردة على حاملات الطائرات أو “ممكيجة” بفلوس الذهب الأسود. هي حالة ينبغي أن تكون بنت بيئتها وناسها، ولذلك يتم التركيز تكرارا على قانون الانتخاب الذي يحسن إدارة تنوّع الأفكار عبر صحة التمثيل لكل الفئات. ولا ننسى أن ضمانات دستورية تبقى مطلوبة أيضاً على هذا الصعيد، وها هي تونس تنجح، مثلا، وفي سنوات قليلة، بأن تنجز العملية الانتقالية وتصدر دستوراً يؤمّن ما تقدّم (في النص، على الأقل، والعبرة في التطبيق).

الملاحظة السادسة: لا شك في أن قيام كيان غاصب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، جعل كل دول المنطقة الناشئة تنوء تحت ثقل الاحتلال وتداعياته التهجيرية ومطامعه التوسعية وتشجيعه، ومن وراءه، للحالات الطائفية المختلفة. لكن هذه الحقيقة لا تلغي مسؤولية العرب في مواجهة ذلك بأساليب نقيضة.

الملاحظة السابعة والأخيرة: في هذه المرحلة من الصراع، حيث العرب في ما بينهم يتقاتلون طائفيا، تبرز الحاجة إلى علمانيين يفرضون المواطنة كأولوية، وإنما أيضاً وخصوصا كرافعة. يؤسفني أن ألاحظ أن القرن الماضي في بداياته حمل أملاً للحالة العلمانية، فيما نحن اليوم نبحث عما تيسّر من مسالكها. علمانية المؤمنين، إذا سمحتم، هؤلاء الذين يعشقون الله، ويقدّسون، في الوقت ذاتهن حق الاختلاف وحرية المعتقد المطلقة. واسمحوا لي أن أقول أن دور المسيحيين في هذه المرحلة ومسؤوليتهم في تعاظم، وعليهم أن يدركوا أن دورهم، لا عددهم، هو المعيار. دورهم كشركاء في صياغة حالة علمانية تساهم في إخراج المنطقة من عنق زجاجة التكفير إلى رحاب التفكير، وهذه مسؤولية مشتركة بين مختلف المكوّنات.

أما الخلاصة، فأستعيرها من أمين معلوف وهو يختم كتابه “الهويات القاتلة” متخيلاً حفيده وهو يتصفح هذا الكتاب، متسائلاً كيف كانوا أيام جدّه يتحدثون في هذه الأمور…

(*) مداخلة للوزير السابق زياد بارود ضمن ندوة بعنوان “التغيرات في المشرق.. الصراعات عليه وضمنه”، انعقدت في الجامعة اللبنانية.


لكل سجنٍ نافذته…
بقلم زياد بارود

Al Akhbar Logo

Published in: Al Akhbar

هي قضبان حديدية وجدران غليظة تفصل بين عالمنا وعالمهم… نحن، نزلاء السجن الكبير، حيث أحكامنا المسبقة وأفكارنا الموروثة محتجزة… وهم، نزلاء السجن الأصغر حجماً والأعظم ظلماً، حيث حريتهم محتجزة بحكم قضائي حيناً، وبمجرّد مذكرة توقيف أحياناً… وحدها نافذة السجن تأتيهم بالضوء، وتطل بهم على الأمل. أما أبواب التحديث والتطوير والإصلاح، فموصدة، والحق علينا… نحن!

الحق علينا لأننا اعتقدنا بأن مجرّد بناء مدرسة يقفل سجناً. فاكتفينا بمدارس لا مدرسّين فيها ولا طلاب. صدق ميشال فوكو عندما تساءل: «أين الغربة إذا كان السجن يشبه المعامل والمدارس والثكن والمستشفيات، وكلّها تشبه السجون؟». أهملنا البناء في ظل تزايد عدد السكان وتعاظم معدّل الجريمة. وتوقفت، عند ستينيات القرن الماضي، عقارب الزمن. شيّدت الدولة السجن المركزي في رومية واستراحت. صُمّم السجن هندسياً ليستوعب 1050 سجيناً، وإذا به يستوعب اليوم، فعلياً، ما يزيد على 4000 بين محكومين وموقوفين! يضاف إليهم آخرون موزعون على سجون ونظارات على مساحة الجمهورية.

والحق علينا أيضاً لأننا اعتقدنا أن السجن عالم آخر، لا تفاعل بينه وبين «عالمنا». هنا، لم نهمل البناء، بل شيّدنا جداراً يفصل بيننا وبين الإنسان ــــ السجين. هذا الذي عائلته بيننا تعاني، وهذا الذي، إذا قضى عقوبته، انضم إلينا، فلم يجد وظيفة ولا احتضاناً. لم نرد أن نراه. أما هو، فنافذة السجن بقيت مداه…

والحق علينا، خصوصاً، لأننا ملوك الارتجال! نلغي وزارة التصميم (حصراً للنفقات؟!) ونرتجل حلولاً ظرفية. تغيب السجون عن أولوياتنا لعقود، ثم نريد أن نعالجها بلمحة كاميرا بين حلقة شغب وأخرى. نقارب إشكالية السجون بالعين الأمنية حصراً، وتغيب النظرة الكلية الإنسانية، بدءاً بالسياسة العقابية للدولة وترجماتها التشريعية والقضائية، مروراً بإدارة السجن التي باتت علماً قائماً بذاته، وانتهاءً بالظروف المعيشية فيه.
نعم لنقل إدارة السجون إلى وزارة العدل، وقد انطلقت الخطة الخمسية وبتنا في منتصف الطريق. إلا أن هذا الإجراء لا يجوز أن يتحوّل إلى كرة نار ملتهبة ترمى من الداخلية إلى العدل، كما لا يجوز عزله عن سائر الإصلاحات. لذلك، أطلقت وزارة الداخلية والبلديات، اعتباراً من 2009، «مشروع تحسين الأوضاع المعيشية في السجون اللبنانية». أنجز المشروع تقريراً شاملاً يتضمّن، للمرة الأولى، مختلف المعطيات المرتبطة بالسجون، هندسةً وخرائط وواقع حال، وخصص التقرير لكل سجن ملفاً متكاملاً يتضمن خرائط وصوراً ومعلومات بيانية. بذلك، بات بإمكان الدولة أن تنتقل إلى المرحلة التالية على قواعد صلبة وتقارب التمويل والإدارة والأمن وحقوق الإنسان في سجون لبنان كلّها، مقاربة تطبيقية ذات فعالية.

«لكل سجن نافذته» (والتعبير لجيلبير غراتيان)… و«لكل سجين غاضب» (مسرحية زينة دكّاش) حقه في تلك النافذة، لا في تحطيمها شغباً ولا في هدم التحسينات. من حق السجين أن يخضع لمحاكمة عادلة، ومن حق المحكوم أن يقضي عقوبة واحدة هي حرمانه حريته، لا أن يعاقب أيضاً في ظروفه المعيشية. ليعاقب المجرم المرتكب، وإنما بما حكم به فقط، وليعاقَب المجتمع الذي لا يريد أن يرى خلف قضبان سجونه إنساناً.

مجتمع
العدد ١٨٩٦ الثلاثاء ٢ كانون الثاني ٢٠١٣
ملف خاص: عنابر العدم

مشروع “هيئة بطرس”… صخرة خلاص؟ قراءة في النظام الانتخابي المختلط
بقلم زياد بارود، وزير الداخلية والبلديات السابق

Published in: An-Nahar 12-10-2012

للسياسة الحالية خطيئتها المميتة هي أنها من غير أفق. فهي عمل ضيّق يتولاّه مختصون في علم الدوائر الانتخابية والمحسوبيات، لا بالأفكار العامة وصيغ التقدّم. وسيظهر لنا بمزيد من الوضوح بعد أسابيع، أن هذه السياسة صغيرة جدا وخطرة أو عديمة الفائدة أو أنها قصيرة الأجل”… أجل، هي كذلك منذ 1953 على الأقل، يوم كتب ميشال شيحا، أحد آباء دستورنا، هذه الكلمات مشفوعةً بمرارة العارف بالأمور، المدرك لاصطدام حتمي بحائط الممانعة وانسداد الأفق … ومذّاك، وكلام شيحا يدور في فلك التشريع العصيّ على الإصلاح، المكتفي باستعمال المقص على هوى التفصيل والتفضيل الذي تتقنه القوى السياسية، مهما تنوّعت ألوان القماش.

محطة مفصلية كسرت تلك الحلقة المفرغة –أو هي حاولت كسرها- يوم شكّل مجلس الوزراء، في 2005/8/8، وفي خطوة غير مسبوقة على صعيد آليات التشريع الانتخابي، الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية (“الهيئة” في ما يلي)، برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس وضمّت، إليه، أحد عشر عضوا هم: غالب محمصاني، ميشال تابت، زهير شكر، غسان أبو علوان، نواف سلام (وعهدت إليه أمانة السر) وزيـاد بـارود. وقد أوكل قرار مجلس الوزراء إلى الهيئة مهمّة “إقتراح سبل إصلاح النظام الانتخابي وفقا لما ورد في البيان الوزاري للحكومة (وكانت برئاسة فؤاد السنيورة) من طريق إعداد قانون جديد للانتخابات النيابية ينطلق من مبادئ الدستور ووثيقة الوفاق الوطني ويهدف إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من صحة التمثيل وعدالته ومن المساواة بين المرشحين والناخبين (…)”. تلقّت الهيئة 122 اقتراحا راوحت ما بين مشاريع قوانين متكاملة واقتراحات تقتصر على النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر. وعقدت 72 اجتماعا على مدى تسعة أشهر، بالإضافة إلى اجتماعات مكثّفة للجانها الفرعية، كما استمعت إلى خبراء في الشأن الانتخابي، لبنانيين وأجانب. وإذا كانت الهيئة أدخلت للمرّة الأولى في تاريخ التشريع الانتخابي مفاهيم إصلاحية كانت موضع مطالبة مزمنة من المجتمع المدني (كالهيئة المستقلة وتنظيم الإعلام وضبط الإنفاق و”الكوتا” وأوراق الاقتراع المطبوعة مسبقا ومكننة الفرز وتسهيل اقتراع ذوي الحاجات الإضافية، وسواها من الإصلاحات)، إلاّ أن ما يقتضي التوقف عنده، في هذه اللحظة السياسية بالذات، هو النظام الانتخابي المختلط الذي اقترحته الهيئة، الذي يبدو أنه وُضع مجددا على طاولة البحث، في عودٍ على بدء أو في محاولة لكسر انسداد الأفق، وربما الحائط المسدود الذي تواجهه المشاريع والاقتراحات الثلاثة المتداولة نيابيا.

نقرأ في تقرير الهيئة المرفق بمشروع القانون ما حرفيته: “استحوذت مسألة الدوائر الانتخابية ونظام الاقتراع على اهتمام الهيئة الرئيسي ودار في شأنها نقاش امتد على عدد كبير من الاجتماعات العامة والفرعية. وفي نتيجة هذا النقاش المسهب والمعمّق لمختلف الصيغ التي يمكن اعتمادها، توصّلت الهيئة، بإجماع أعضائها، إلى اعتبار أن أنسب خيار في هذه المرحلة من تاريخ لبنان (…) هو خيار اعتماد النظام المختلط الذي يأخذ في آن واحد بمستويين من الدوائر الانتخابية وبالجمع بين النظام الأكثري في مستوى والنسبي في آخر”. قد يبدو خيار الهيئة وكأنه تسوية لبنانية عقيمة، لكنه ليس كذلك قطعا. هو محاولة موفقة للمزاوجة بين مطلبين محقّين: مطلب التمثيل المباشر الصحيح ومطلب التمثيل الوطني العابر للطوائف والمناطق. النظام المختلط يوفّق بين هذه العناصر، وقد قال فيه بعض علماء السياسة المعاصرين (أمثال ماثيو شوغارت ومارتن واتنبرغ) إنه “أفضل ما في العالمين” (the best of both worlds)، وهو معتمد في عدد من الدول كاليابان وألمانيا وفلسطين. يشار أيضا إلى أن تقرير العلاّمة فيديل (Vedel) كان أوصى عام 1993 بأن تعتمد فرنسا النظام النسبي على مستوى الدائرة الوطنية الواحدة إلى جانب دوائر النظام الأكثري على دورتين، كما أن تقرير جينكينز (Jenkins) المرفوع عام 1998 إلى البرلمان البريطاني، أوصى بدوره بالنظام المختلط بحيث ينتخب ما بين 15 إلى 20 في المئة من النواب في المقاطعات (Top-up seats) على أساس النسبية.

وبالعودة إلى النظام المختلط، كما اقترحته الهيئة، فإنه يقوم على انتخاب 77 مقعدا من أصل 128، يتألف منهم المجلس النيابي (أي ما نسبته 60% من المقاعد) على أساس النظام الأكثري على مستوى الأقضية، و51 مقعدا (أي ما نسبته 40% من المقاعد) على أساس النظام النسبي على مستوى المحافظات الكبرى، فيقترع الناخب، في آن معا، في صندوقين وعلى أساس ترشيحات تحسم مسبقا الدائرة والنظام بالنسبة الى كل مرشّح، مع المحافظة على التوزيع الطائفي المعتمد لكل مقعد، باعتبار أن قرار مجلس الوزراء الذي تألفت الهيئة بموجبه قد حصر مهمتها ضمن حدود التمثيل الطائفي المعتمد في المادة 24 من الدستور لجهة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين والنسبية في المقاعد بين الطوائف والمناطق، ولو أن عددا من أعضاء الهيئة يحبّذ الانتقال إلى حال مدنية وإشراك غير الطائفيين في دائرة التمثيل.

كيف خرجت الهيئة بهذا التوزيع (60%-40%)، علما أن ثمة قوى سياسية كانت اقترحت المناصفة في المقاعد بين الأكثري والنسبي؟ (يراجع، مثلا، اقتراح الرئيس نجيب ميقاتي المرفوع إلى الهيئة يومها بهذا المعنى). ارتكزت الهيئة إلى مبدأ صحة التمثيل وفعالية ذلك التمثيل، فرأت اعتماد معايير موضوعية، وضعتها مسبقا، لتوزيع المقاعد بين الأكثري والنسبي، تعلّل هذا التوزيع وتبرّر انتقال مقعد ما من القضاء إلى المحافظة أو بقاء مقعد آخر في القضاء. هذه المعايير هي (كما أوردها تقرير الهيئة):

1 – المناصفة بين الدائرة الخاضعة للنظام الأكثري والدائرة الخاضعة للنظام النسبي عندما يكون عدد المقاعد المخصص لمذهب معين في القضاء (أو الوحدة الانتخابية) مزدوجاً. (مثلاً بالنسبة إلى المقاعد المارونية في البترون أو جزين، أو المقاعد الشيعية في بعلبك / الهرمل، أو المقاعد السنيّة في صيدا).
ترجيح حصة الدائرة الخاضعة للنظام الأكثري على حصة الدائرة الخاضعة للنظام النسبي عندما يكون عدد المقاعد المخصص لمذهب معين في القضاء (أو الوحدة الإنتخابية) مفرداً. (مثلاً بالنسبة إلى مقاعد السنة في طرابلس أو الروم الأرثوذكس في الكورة أو الموارنة في كسروان وزغرتا أو الشيعة في النبطية).

2 – عندما يكون هنالك مقعد واحد لمذهب في القضاء (أو الوحدة الانتخابية) يكون من حصة الدائرة الخاضعة للنظام الأكثري شرط أن لا يكون عدد ناخبي هذا المذهب في هذه الدائرة أقل من نصف الحاصل فيه ( والمقصود أقل من نصف ناتج عدد عموم الناخبين المسجلين في الدائرة مقسوماً على عدد المقاعد المخصصة لها). (مثلاً يكون مقعد الروم الأرثوذكس في طرابلس من حصة الدائرة الخاضعة للنظام الأكثري، فيما يكون مقعد الموارنة من حصة الدائرة الخاضعة للنظام النسبي، وكذلك يكون مقعدا الروم الكاثوليك والأقليات في بيروت من حصة الدائرة الخاضعة للنظام الأكثري، فيما يكون مقعدا الدروز والإنجيليين من حصة الدائرة الخاضعة للنظام النسبي).

3 – عندما يكون هناك مقعدان لمذهب في الدائرة الخاضعة للنظام النسبي، ولكن في قضاءين (أو وحدتين إنتخابيتين) يكون من حصة الدائرة الخاضعة للنظام الأكثري المقعد حيث نسبة ناخبي هذا المذهب هي الأكبر. (ينطبق ذلك مثلا على معقدي العلويين في الشمال أو الكاثوليك في الجنوب أو الروم الأرثوذكس والشيعة في بيروت).
إذا، هذه المعايير هي التي حكمت توزيع المقاعد بين أكثري ونسبي، بمعزل عن أي خياط على القياس (ما يعرف بالـGerrymandering)، وإنما بهدف جعل الصوت الناخب أكثر “فعالية”، على ما قال به اتفاق الطائف! كما أن اعتماد معيار القضاء والمحافظة يشكّل أيضا معيارا ثابتا يتمتع بشرعية تاريخية إلى حد كبير (مع تحفّظ لي عن قسمة جبل لبنان إلى محافظتين).
على أنه قد يكون من المفيد، من باب تحصين صحة التمثيل في النظام الأكثري، التفكير في اعتماد الدوائر الفردية أو نظام الصوت الواحد لكل ناخب أو الدوائر المصغّرة، بالنسبة الى المقاعد الـ77، لأن النظام الأكثري يجنح عن غاية التمثيل المباشر المرجوة عندما يُعتمد في دوائر متعدّدة المقاعد وواسعة الحجم.

في غمرة المشاريع والاقتراحات المتداولة، ولأن النظام النسبي (وقد تقدّمت بمشروع متكامل يعتمده في 15 دائرة) يبدو إشكاليا وتقف قوى سياسية مؤثرة في مواجهته، تماما كما تقف أخرى في مواجهة الدوائر المصغّرة، ولأن طرح اللقاء الأرثوذكسي يبدو، على صراحته، طرحا في النظام السياسي أكثر منه في النظام الانتخابي، ولأن المسألة الطائفية لا تزال تحكم وتتحكّم في حياتنا الانتخابية، فإن مشروع هيئة “بطرس” يبرز اليوم، ربما، “كصخرة” خلاص، فيه صلابة المعايير وواقعية المقاربة، يجمع “أفضل ما في العالمين” ويرفع منسوب التمثيل (المسيحي تحديدا) إلى الحدود ذاتها التي قد تأتي بها النسبية في دوائر متوسطة أو الأكثري في الدوائر المصغّرة. فهل يكون النظام المختلط مدخلا إلى إنضاج قانون إنتخاب يكسر دوران عقارب الساعة لمصلحة “الستين”، أو يدخل، هو أيضا، نادي المشاريع والاقتراحات التي تدور في فلك حال الانتظار الإقليمي وغياب التوافق اللبناني وعدم توافر الرعاية الخارجية؟ سؤال برسم… المسؤولية. رحم الله ميشال شيحا.

هل يكون النظام المختلط مدخلا الى انضاج قانون انتخاب يكسر دوران عقارب الساعة لمصلحة “الستين”؟

For the English translation, please click here.

المركز اللبناني للدراسات – LCPS

أين “طارت” السياسة في المركز اللبناني للدراسات؟ هل اختفت؟ هل غُيّبت أم إنها انكفأت؟ سؤال أطرحه في اللغة، لأسلك منها إلى المضمون والمآل…

المركز اللبناني للدراسات هو، بالإنكليزية (The Lebanese Center for Policy Studies)، بحيث من المفترض أن يصبح تعريبا: المركز اللبناني للدراسات السياسية أو لدراسات السياسات…

أغلب الظن أن مؤسسي المركز في أواخر ثمانينات القرن الماضي قد اختاروا، بين الإنكليزية والعربية، أن يحفظوا للمركز في لبنانيته، نأيا له بالنفس عن زواريب السياسة، ليسلك أوتوسترادات السياسات العامة. فالمركز اليافع يومها، كان ورقة بيضاء يُخشى عليها من تلوثات السياسة بمعناها الزبائني الضيق ويُراد له أن ينطلق متحررا منها، عاملا على سياسات عطّلتها السياسة، وعلى دراسات لا يقرأها السياسيون إلا في ما ندر، وعلى أبحاث في العمق تظهر سخافة المتداول وسطحيته.

هذا المركز ، المغرّد خارج سرب الرتابة والتقليد، إنطلق بُعيد ما أنتجه استبدال بعض اللبنانيين لعقلهم بعضلاتهم. جاء يملأ، أو يحاول ملء فراغ تركته ندوة لبنانية هنا أو مركز بحثي هناك. جاء متواضعا في مآله، كبيرا في آماله. جاء يدعونا، ونحن حفنة من الديمقراطيين الجدد (على ما حلا لصحيفة ما اتهامنا به يومها)، إلى الانتقال من حيّز ردّ الفعل إلى حيّز المبادرة، ومن حيّز الانتقاد، لا النقد، إلى حيّز تقديم البدائل.

وسريعا جدا، تمكّن المركز منّا. تمكّن من جذب الثائر فينا مناضلا، والعاقل فينا باحثا، والمنكفئ فينا مشاركا. إستطاع المركز أن يكوكب حوله تناقضاتنا الفكرية والمناطقية والطائفية والعمرية، مستثمرا ثروة التنوّع وثورة الناقم. هكذا، تحوّل المركز إلى نقطة التقاء إلى نقطة انطلاق فكان فعلا نقطة تحوّل أساسية في مشهد السياسات العامة في لبنان.

لقد شكّل المركز نقطة التقاء، مقدّما مساحة مشتركة تحوّل عاصفة الأفكار إلى عصف لها. ومن عصف الأفكار، كان ينقلك المركز فورا إلى نقطة انطلاق، واضعا، بل أكاد أقول فارضا “الأجندة”.

قوّة المركز أنه كان مطبخا! فيه “تتواطأ” الأفكار ، فتجتمع المكوّنات لتوضع على نار، سرعان ما تصبح حامية… وخلافا للشائع، فإن كثرة الطبّاخين لم تفسد الطبخة، فالعمل كثير والفعلة قليلون…

قوّة المركز أنه كان مركزيا فعلا ولامركزيا بامتياز، في آن معا:
مركزيّ، فيه يبدأ اللقاء ومنه تنطلق الأفكار والديناميات، ولامركزّي، تدور حوله وتتمحور جمعيات وحملات ومبادرات. في المركز اللبناني للدراسات “حُبل” بالجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (LADE) وكانت أولى خطواتها في هذا البيت الوالدي قبل أن تستقل وتنطلق لتصبح اليوم مرجعا في الإصلاح الانتخابي وفي مراقبة الانتخابات، ولتستمرّ والمركز في تحالف وقربى…

وفي المركز أيضا، ومع LADE، احتُضنت حملة “بلدي، بلدتي، بلديتي” التي حملت الحكومة يومها، عبر العريضة والإعلام وبقوة الدستور وقرار المجلس الدستوري، على تنظيم انتخابات بلدية عام 1998 بعد ثلاثين سنة على تأجيلها. بعض من هنا اليوم لم ينسَ مسرح بيروت والقوى الأمنية تحاصرنا، والتهمة: بلدي، بلدتي، بلديتي…

وفي المركز أيضا وأيضا كان أوّل لقاء مهّد لتأسيس “لا فساد- الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية” عام 1999… هذا بعض ما في الديناميات وإطلاق المبادرات، أما في المضمون، فقد كان المركز أرضا خصبة لزرع بذور التحديث، ففتح ملفات الإصلاح على مصراعيها، في الإدارة واللامركزية والقضاء واستقلاليته والمال والاقتصاد والاجتماع. ولعلّ منشورات المركز تنطق بذاتها.

هذا غيض من فيض، وقد وصفه أحد النواب، أصدقاء المركز، بأنه “fish bowl exercise”، حيث الوجوه ذاتها كانت تلتقي ولو اختلف الإطار. لكن الواقع أن الأمر اختلف عندما أنتجت دينامية المركز انطلاق جمعيات ومبادرات وأطر مختلفة باتت مستقلة عنه وإنما متحالفة معه في آن، تجدّد في النخب الفكرية والسياسية وتدفعها إلى مواقع تأثير مختلفة… بذلك، بات المركز قوة ضغط أيضا وحاز احتراما علميا واحتل موقع الرصانة، ولا نغالي إن قلنا إنه ساهم في بلورة اتجاهات والدفع بالسياسات العامة قدما. أليس هذا هو دور مراكز الأبحاث والدراسات؟أعزّائي، أصدقاء المركز اللبناني للدراسات.

نحن اليوم نجدّد شباب المركز. نبني على ما راكمه من خبرات وما خاضه من تجارب، وننطلق مجددا إلى رحاب التحديات الراهنة والآتية.في زمن التحولات، نريد للمركز أن يكون في صلبها أداة تأثير واستشراف وتحصين. ونريد للبنان واللبنانيين أن يكونوا حول الطاولة، لا مادة عليها.

وفي زمن الرتابة والكلام المكتفي بالشتيمة، نرغب في دعوة اللبنانيين واللبنانيات إلى التميّز والرصانة، فكرا وقولا وفعلا، في زمن الاصطفاف الحاد الإلغائي للآخر، نرغب في اصطفاف من نوع آخر: مع المؤسسات الضامنة أو مع الزبائنية الراهنة، وفي زمن الأفكار المستوردة، نرغب في تلك التي تكون “بنت البلد” وقد صنعت في لبنان، في زمن الانكفاء عن الشأن العام إلاّ لمن رأى فيه مصلحة خاصة، نرغب في أن يكون المركز حاضنا لقوة لبنان في مفكّريه وباحثيه وأصحاب المبادرة فيه، هؤلاء الذين يضيئون شمعة حيث آخرون يلعنون الظلمة…

أعزّائي،

بدعمكم، سيستمرّ المركز اللبناني للدراسات رأس حربة في الحالة الإصلاحية المدنية، مستقلا غير مرتهن، سيستمرّ يشبّك مع مراكز دراسات أخرى ومع جمعيات ومبادرات مختلفة نلتقي معها ونبني معا، وسيستمر المركز يبحث في السياسات العامة الواسع مداها ولا يدخل زواريب السياسة المظلمة…

والأهم الأهم، أن المركز اللبناني للدراسات سيستمر يزعج من طاب لهم الاكتفاء بالمزري وسيستمر يدفع من فرض على نفسه الانكفاء ليكون جزءا من مجموعة من الناس اختارت الحلم سبيلا إلى الغد واختارت المبادرة والتشبيك والبحث والرصانة والنفس الطويل، سبلا لتحقيقه…المركز اللبناني للدراسات ليس صوتا صارخا في البرية. لقد سمعتموه وها أنتم هنا وكلنا في سماع…

St-Sauveur Jeita – كلمة في حفل تخرج طلاّب مدرسة المخلّص جعيتا

هو المخلّص يدعونا،

هو المخلّص يرعانا،

هو المخلّص، شفيع هذه المدرسة العزيزة، يجمعنا،

له التسبيح دائما، ولكم أطيب التحية…

أعزّائي،

حذّرني أحد الأصدقاء وقال لي منبّها: ما لك ولرعاية حفل تخرّج ونحن على مرمى أشهر من الانتخابات؟ سيظنّ البعض أن لك في الحفل غاية ما في ما ورائيات الاستحقاق الآتي في منطقة ما بين النهرين – نهر ابراهيم ونهر الكلب…

إبتسمت وقلت لصديقي: أنا ذاهبٌ إلى المخلّص ناخبا، لا مرشحا… أحمل بطاقة مواطنيتي وآتي إليكم ناخبا حرّا قويا، لا مرشحا مقيّدا…

آتيكم ناخبا لأقترع الليلة معكم و… لكم!

جئت أقترع لصرح تربوي أغنى محيطه علما وثقافة ونورا،

جئت أقترع لرهبنة المخلّص التي اتخذت من الإنجيل قيم التعليم وأثمرت الوزنات،

جئت أقترع لمعلّين ومعلّمات يتقنون التفاني في الخدمة بغير نسبة إلى المعاش،

جئت أقترع لأهلكم الذين تلمع عيونهم بدمع الفرح والاعتزاز، وهم يحصدون اليوم ما زرعوا طوال سنوات من السهر والتعب وأعباء الحياة،

وجئت أقترع، خصوصا، لكم أنتم:

جئت أصوّت لكم علنا، ناخبا مقترعا لبرنامج لا يشبه إلاّ عيونكم الحالمة وطموحكم المندفع ونظافة كفّكم وقلبكم وعقلكم…

أقترع لشباب وشابات لبنان الذين اتخذوا من القلم سلاحا ومن الكلمة ذخيرةً،

أقترع لحقكم في مستقبل لا يشبه حاضرنا ولا يشبه التركة الثقيلة التي توارثناها منذ عقود،

أقترع لانتفاضتكم على الموروث،

أقترع لنضالكم الآتي،

أقترع لحقكم في الاختلاف والتنوّع في الفكر والتوجّه والخيارات،

أقترع لما ستكونون عليه من مواطنين ومواطنات:

مؤمنين، لا يتاجرون بالدين،

وأكفّاء، يبلغون أعلى المراتب بعرق الجبين، لا بصدفة عابرة أو دعم ملتبس…

أقترع لكم، مواطنين ومواطنات يقولون “نعم، وقفت عليّ” ويرفسون الفساد بعيدا لأنه يضرب حياتهم وينتهك حقوقهم…

أقترع لكم، أعزائي الطلاب المتخرجين، لأنكم غير محكومين بدم يلوّث أياديكم الطاهرة أو بفساد يلوّث كفّكم النظيف أو بلعبة المصالح التي اتفق على تسميتها “الزبائنية”…

خياركم اليوم هنا، وفي الجامعة غدا، وفي سوق العمل بعد غد، وفي المجتمع والنقابة والحزب وفي كل موقع… خياركم هو بين أن تكونوا مواطنين أحرارا شرفاء مرفوعي الرأس أو أن تكونوا زبائن تشترون حقوقكم الدنيا من لحمكم الحي وتسبّحون جلاّدكم مقدّمين الطاعة!

ولأنني أعرف خياركم كمواطنين ومواطنات، جئت اليوم أقترع لكم وبلائحة كاملة فيها كل ما تقدّم…

قد يقول قائل إن هذا الاقتراع لكأنه بورقة بيضاء… لا بأس. إذا كانت الورقة البيضاء تشبه قلوبكم، فستكون دون أي شك أكثر تعبيرا من أسود الحبر الذي يكتب أحيانا مستقبل جيل بكامله!

أعزّائي،

فوزكم في هذا الانتخاب محسوم…

من دون حرق دواليب،

ومن دون حرق أعصاب،

ومن دون حرق أصابع،

ومن دون صور تشوّه ساحاتنا والجدران،

ومن دون أوراق خضراء تحرق ما تبقّى من ممانعة بوجه الرشوة وشراء الضمائر…

فوزكم سيكون فوز الكفاءة على المحسوبية وفوز كلمة الحق الرصينة على النبرة العالية المتعجرفة…

فوزكم، قدّموه هدية لأهلكم مكافأةً، ولأساتذتكم عرفانا، ولمدرستكم وفاءً…

قدّموه للمخلّص إيمانا، أينما هاجرتم للعلم أو العمل وحيثما حللتم…

هو المخلّص دعانا وهو المخلّص يرعاكم، وفقكم الله وإلى اللقاء في مجالس الحياة…

Ziyad Baroud’s Acceptance Speech after being conferred the “Civil Merit Medal” by Spain

On May 21st 2012, Spain granted former Interior Minister Ziyad Baroud the Civil Merit Medal in rank of Commander in recognition of the services he rendered to Spain. The decoration was conferred to Minister Baroud by Spanish Ambassador Juan Carlos Gafo in the name of the Spanish Government and King Juan Carlos. Both Ambassador Gafo and Minister Baroud’s speeches were pronounced in French. 

(For English translation, kindly scroll down.) 

“Monsieur le représentant du Président de la République, du Président de la Chambre et du Président du Conseil des Ministres, Monsieur l’Ambassadeur Gafo et Madame, Cher Juan Carlos, Chère Cristina,
Eminences, Excellences,
Chers parents, collègues et amis,

Je ne vous cache pas le trouble qui m’embarrasse : le pays est en deuil, le tumulte est roi, les Libanais et les Libanaises sont aux abois, et nous nous retrouvons ce soir pour une décoration ! J’en suis perturbé. Mais j’en suis ravi aussi. Je me réjouis de votre présence, de votre indéfectible amitié et de notre volonté commune à toutes et à tous, qui plonge très profondément dans notre inconscient collectif, de vouloir « rencontrer Triomphe après Défaite et recevoir ces deux menteurs d’un seul front » (KIPLING).

Being decorated by Juan Carlos Gafo, Spanish Ambassador to Lebanon

Monsieur l’Ambassadeur,

L’Espagne m’a fait un grand honneur en m’invitant au rang des amis du Royaume. Mes remerciements vont d’abord à Sa Majesté le Roi Juan Carlos Premier qui, en m’élevant à la dignité de Commandeur de numéro de l’Ordre du Mérite Civil, a voulu, peut-être, récompenser un simple auxiliaire des relations bilatérales privilégiées entre nos deux pays. Dans cette mission aussi agréable qu’utile et fructueuse, j’avais un partenaire de taille : vous, monsieur l’ambassadeur. Vous vous êtes évertués à offrir un appui incommensurable à nos institutions. Cela participe de votre engagement diplomatique, certes, mais témoigne aussi et surtout de votre grande amitié, voire amour pour le pays des cèdres. Au nom de tous ceux qui ont accompagné nos projets communs, soyez en remerciés. Vous quittez le Liban, bientôt, « un peu Libanais », pour reprendre les termes de notre ami l’ambassadeur Denis Pietton. Vous serez toujours, pour nous, « très Libanais »…

L’Espagne qui m’honore aujourd’hui porte à son actif, au Liban, une perception :

c’est l’Espagne de l’Europe des valeurs, de la politique du voisinage,

c’est l’Espagne de la Finul qui n’a pas manqué à l’appel à solidarité, l’Espagne des Casques Bleus qui ont versé du sang sur notre sol,

c’est l’Espagne d’Andalousie, où les chemins de l’histoire racontent un croisement, c’est –pour emprunter les termes de monsieur l’ambassadeur- l’Espagne « melting-pot de contributions, parmi lesquelles sont aussi, et surtout, l’héritage phénicien et la brillante civilisation arabe »,

c’est l’Espagne de Real Madrid et de Barcelona. Leurs supporters au Liban dépassent le clivage 8/14 mars…

c’est l’Espagne qui accueille mes compatriotes avec la chaleur des méditerranéens,

c’est l’Espagne-royaume, qui combine si allègrement la monarchie historique en ce qu’elle a de symbolique et la démocratie moderne en ce qu’elle a de participatif.

c’est aussi l’Espagne de Don Pedro Manuel de Aristegui, l’ambassadeur du Roi tué avec sa femme en 1989 lorsqu’un obus de 240 mm s’était abattu sur cette même résidence qui nous accueille aujourd’hui…

c’est aussi, pour certains, l’Espagne des « châteaux » que l’on bâtit. Et nous en bâtissons, au quotidien, dans ce coin du monde, dans cette ville « mille fois morte, mille fois ressuscitée ». Entre le mythe des châteaux en Espagne et la précarité des châteaux de sable, nous avons bâti, ensemble, Espagnols et Libanais, sur le roc, un chemin de solidarité…

Monsieur l’Ambassadeur,

Cette haute distinction que vous me faites l’honneur de me remettre aujourd’hui, permettez moi de la ressentir comme un gage d’amitié profonde et comme un engagement de continuer à œuvrer, ensemble, pour les valeurs que nous partageons. De medico, poeta y loco, todos tenemos un poco… « Du fou, du poète et du médecin, nous avons tous un petit brin »…”

—————————————————————————————–

English Translation:

“The Representative of the President of the Republic, the Speaker of the House and the President of Council of Ministers, Ambassador Gafo and Madam, Dear Juan Carlos, Dear Cristina,
Eminences, Excellencies,
Dear parents, colleagues and friends,

I will not hide the trouble that bothers me: the country is in mourning, tumult is king, the Lebanese people are desperate, and we meet tonight for a decoration! I am disturbed. However, I am also pleased. Indeed, I am happy to be in your presence, I am touched by your unwavering friendship and proud of our shared commitment to each and everyone who dives deeply into our collective unconscious, wanting to “meet with Triumph and Defeat after receiving these two liars of the same front” ( KIPLING).

Mr. Ambassador,

Spain did me great honor by inviting me to the rank of the Kingdom’s Friends. My gratitude goes first to His Majesty King Juan Carlos I who, by raising me to the rank of Commander of the Order of Civil Merit, perhaps simply wanted to reward a mere auxiliary who privileged bilateral relations between our two countries. In this mission, as useful as it was enjoyable and successful, I had a strong partner: you, Mr. Ambassador. You have striven to provide immeasurable support to our institutions. This is part of your diplomatic engagement, certainly, but it also especially reflects your great friendship and love for the country of the cedars. On behalf of all those who have supported our joint projects, thank you. You will be leaving Lebanon soon perhaps feeling, in the words of our friend Ambassador Denis Pietton, “a little bit Lebanese.”  Yet, for us, you will always be “very Lebanese” …

Spain, who honors me today, holds to its own credit a perception in Lebanon: 

Spain is Europe’s values, the neighborhood policy, 

She is the Spain of the UNIFIL that has not failed to appeal to solidarity, the Spain of the Spanish Peacekeepers who have shed blood on our soil,

She is the Spain of Andalusia, where the paths of history tell the story of crossroads, that are, to borrow the words of Mr. Ambassador, a “melting pot of contributions, among which count, most importantly, the Phoenician heritage and the brilliant Arab civilization.”

She is the Spain of Real Madrid and Barcelona. Their supporters in Lebanon transcend the cleavage of 8/14 March …

She is the Spain which hosts my countrymen with the warmth of Mediterraneans.

She is the Kingdom of Spain that blithely combines historic monarchy in its symbolic sense, and modern democracy in a participatory sense. 

She is also the Spain of Don Pedro Manuel de Aristegui, His Majesty’s ambassador who was killed along with his wife in 1989 when 240 mm shells had fallen on the same residence that welcomes us today …

She is also, for some, the Spain of the “castles” that we built, and that we build on a daily basis in this corner of the world in this city “a thousand times dead, a thousand times resurrected.” Between myth and castles, in the precarious sandcastles we built together, Spanish and Lebanese have built, on the rock, a path of solidarity …

Mr. Ambassador, 

This high honor you have bestowed upon me today, allow me to interpret it as a token of friendship and as a deep commitment to continue working together for the values ​​we both share: “Medico, poeta y loco, todos tenemos un poco”  … “From the lunatic, the poet and doctor, we all have a little bit” … “

Speech at the Occasion of the Graduation of AUB Students of the Education Dept. taking the Educator’s Pledge – 20/06/2012

Mr. President, Dr. McGreevy, Dr. Ghazi Ghaith, Dr. Amal Bou Zeineddine, honorable members of the faculty:

You have extended a generous invitation to me today. I am honored to be the guest speaker of such a noble ceremony, one that witnesses the pledge of integrity, respect and dedication being pronounced by some of this nation’s already most integrious, respectable and dedicated civil servants: the educators. Young men and women, who by the mere choice of their degree have already showcased their level of selflessness and honor to the world. From the start, they have chosen to dedicate their lives to the enlightenment of others. What an honorable profession, what an honorable vocation, what an honorable pledge to make. Thank you for associating me with this noble event, and most importantly, thank you for associating me with them.

As for those honorable young men and women, I would like to say a few words to them:

You underpaid, underappreciated, over achieving, hyper dedicated, slightly insane people, I salute each and every one of you.

What madness, what great madness to choose to educate the human race as your profession for life. A madness that will probably force you to enroll in anger management classes and group-tree-hugging-therapy-treatments as you attempt to get rid of the recurrent nightmares you have every night where you have a temper tantrum, start throwing things in class, then set mountains of books and pens on fire on the airport road. Let me tell you, as a political statement, it’s more charming than burning tires.

I know your profession well. I was raised by members of your profession. My father is a retired mathematics high school teacher, and my mother an Arabic literature teacher. My sister is a biology teacher. To say that they are devoted and dedicated human beings would be an understatement. Their life is simply equated with a one-way street of selfless giving. They were selfless with their children, they were selfless with their students, they were selfless with their country, and they never threw things in class, but that’s only because they never felt compelled to assert their authority that way, after all their last name is “Baroud” and the students’ translated motto “don’t mess with gun powder” helped a lot.

All jokes aside, not speaking out of bias but out of pure objective love, I think educators have one of the toughest and most noble jobs in the world.

On this wonderful day where we are gathered together to celebrate your academic success, I have decided to talk to you about the greatness of your profession. I wrap my mind and heart around what I want to say today. This ceremony is not a gesture, not a kind of compliment, and it is certainly not a PR strategy. It is very serious, almost as serious as the Holy Matrimony, or the Euro Cup for some people.

This evening you will be reciting the Educator’s Pledge. This marks your transition from the rigors of university education into your chosen profession to practice independently as Educators in Lebanon. The Pledge signifies your commitment to uphold the values essential to the teaching profession, not only to have the necessary knowledge, skills and experience of teachers and educators but to maintain the highest standards of moral integrity and intellectual honesty possible. Your new role in society is officially a role of a builder and an influencer.

So much power will rest in your hands: you will be given access to the nation’s freshest and most innocent minds, your power over those buds can often make or break them. Think of them as chunks of wet clay that you can shape into any form. Only what parents and educators say can make healthy minds and strong spirits out of our young citizens, the rest is just white noise. As you travel the paths of your career, you will be asked to do more than deliver a ‘state of the art’ clay shaping, you will be asked to deliver all of the above and more to the best of your abilities with care, compassion, patience and in the best interest of your children just as a parent would do to their child. Because that’s what your students will become: your children.

I hope you know how much you are likely to touch and influence other people’s lives. You don’t only create curriculums, you create culture. Alexander the Great said “I am indebted to my father for living, but to my teacher for living well.” Indeed, you are leaders and shapers by role. Education is the principal instrument of nurturing of all societies. Your intelligence, your capacity for hard work, the education you have earned and received all give you unique status and unique responsibilities. But though young, gifted and well educated, your traits cannot inoculate you against the caprice of the fates. You have a nationality that sets you apart.

You belong and live in a developing country where more often than not the burdens you must carry and the barriers you have to jump are not necessarily a result of your performance, yet they will affect your performance.

This is a country imbued with corruption. Hard evidence has documented corruption’s detrimental effect on many aspects of economic development. Research indicates that higher levels of corruption significantly reduce GNP growth rates. The IMF showed in a regression analysis study that a 2.4 decline in the corruption index is associated with a 4% increase in the per capita growth rate. In fact, corruption reduces economic growthby reducing public spending on education. Why and how does corruption influence education? Research suggests that governments plagued by corruption spend relatively more money on items that facilitate the exaction of graft. Corrupt public bureaucrats may shift government expenditures to those areas in which they can collect bribes more efficiently. Larger, hard-to-manage projects, such as airports, highways, facilitate fraud. However, in areas such as education, expenditures and their products are more visible and are less open to corruption. Though corruption castrates a nation entirely, it starts by suffocating our educators.

My pledge to you today is that I will never ever be an accomplice to any form of corruption, just like you are pledging tonight.
As such, I imagine you, within a few years’ time, servants in this republic, perhaps official dignitaries, great minds, thinkers, game changers… invited to give a speech at a commencement ceremony. And I imagine myself sitting where your parents sit today, as a proud father waiting to graduate one of my children. What do you think you would say?
Will you tell my children and their peers that this is a difficult country and that the crisis is intractable and that things never change and that the only difference is that the actors of tomorrow’s political dialogue are simply the grandchildren of today’s negotiators?
Will you curse March 8 if you were March 14 and March 14 if you were March 8? Will we see you with the grandson of Walid Abboud tossing chairs around, in all objectivity “bi mawdou3iyya”, just because you want to say something?
Will you burn tires in support of environmental issues?
Will you succumb to the pressure of a government official keen on increasing his son’s grades?
I deeply hope to be in your parents’ seats proud of the citizen that you are, a citizen who has implemented the word “enough” to real action.
I hope, as educators, you will tell my children that the hereditary passing of crisis is long gone.
I hope, as educators, you will address their dreamy eyes and tell them that nightmares of corruption and incompetence are long gone.
I hope, as educators, that organization and not improvisation will be your education plan.
I hope that public positions will be filled with competent, honest visionaries with a sane mind and a clean heart beating for a country that will not expatriate your sons and daughters.
When will the government and its institutions reflect the hope in your eyes, the honesty in the palm of your hand that is taking the pledge today, and the greatness of ambition in your minds today?
This is not to have you bear the responsibility of yesterday’s failures for you are innocent of the sins of our past… But we hold you accountable for the future.

Emigrate if you must but do it for education or for added value, but do not leave this land at the hands of despicable beneficiaries. The battle has begun and now you must choose, your weapons are your education, your knowledge and your beating heart.
As part of the noble oath you pronounce today, pledge enough is enough. Pledge that you will not accept defeat. No surrender, no escape, no avoidance, no despair.
Enough improvisation, enough amateurism in governance and teaching, enough weeping over ruins, and enough isolation.

Say it, and act on it. And I will be there at the graduation ceremony of my children, standing on my feet, proud of your actions, just as I am proud of you today. And I will be telling myself: No fear for Lebanon because you are Lebanon. You are Lebanon’s power, honesty, and integrity. You are Lebanon the state, you are Lebanon the dream. The world is at the mercy of the knowledgeable. So, go on, persevere and excel.

Collège Melkart: كلمة حفل تخرّج طلاّب مدرسة ملكارت

(For the English Translation, kindly scroll down.)

أصحاب المقامات، أصحاب الدولة والمعالي والسعادة، عنيت بهم طلاّبنا المتخرجين الأعزاء…
نعم أعزّائي، أنتم أصحاب المقامات لأنكم لستم فاسدين ولأنكم لستم صغارا ولأنكم لستم متواطئين ولأنكم لستم منافقين ولأنكم لستم مدّعين ولأنكم لستم سخفاء ولأنكم تشرّفون الألقاب فيما آخرون يسقطونها وتغدو معهم هابطة هزيلة… حبّذا لو تُعطى الألقاب لمستحقيها فقط، تماما كما شهاداتكم بعد استحقاق!
أكسيوس” يقول اليونان للمستحق. آخر المستحقين، وهو لبناني إغريقي الهوى، غادرنا منذ أيام إلى دنيا العدالة. حمل ألمه وقلمه ومشى. غسان تويني، واحد من هؤلاء المستحقين الذين نرفع لهم قبعة احترام. تعالوا نرفع له التحية بدقيقة صمت نعبّر فيها معا عن كلام كثير في أوادم هذا البلد ومفكّريه وأقلامه الحرّة التي تفتقد بدرا في ليالينا الظلماء.
جميلة، متألقة، ساحرة…
سنواتها مواسم ربيع تُزهر…
عميقة المعنى متجددة المبنى…
عريقة السلالة، معتزّة النفس…
جذبتني وسحرت، دعتني فما استطعت إلى دارها اعتذار…
وها أنا أفقد مناعة الممانعة وأصبح مدمنا عليها…
هو الإدمان على سحر مدرسة، جميلة، متألقة، غنية بمن فيها…
هذا الإدمان – وأنا فيه منذ ثلاث سنوات- لا علاج له، بل هو العلاج بذاته عندما يضرب فينا اليأس والقرف. قليل من “ملكارت” يبعث الأمل ويعزّز في النفس الرجاء. شكرا “ملكارت” لهذه الفسحة الطيبة، شكرا لأنكم أنقياء، مصممون، عالمون وكبار كبار في تواضعكم. السيدة المديرة التي تقرن اسمها الملائكي بالتسليم بإرادة الخالق، المربية أنجيل مسلّم، لك منّي ومن الحاضرين أطيب التحية ولفريق العمل والهيئة التعليمية، خصوصا، كل التقدير  والعرفان.
ماذا أقول في تخريج طلاّب باتوا على تواصل مع المعرفة بسرعة البرق؟
ماذا أقول لكم وقد شبعتم وعظا وكلاما؟
سوف أكتفي بمشاركتم بعض الأسئلة التي أخالها تجول في خاطركم…
سأتخيّل أحدكم بعد سنوات وقد تولّى مسؤولية ما، خادما في هذه الجمهورية، لا وزيرا فيها أو نائبا أو مسؤول وقد دعته مدرسة أولادي ليلقي في التخريج كلمة… وسأضع نفسي في صفوف أهلكم، والدا ينتظر تخرّج إبن أو إبنة ومستعدّ للتصفيق إذا استحق الكلام تصفيقا…
ماذا تراكم تقولون في حفل التخرّج؟
هل تستعيدون كلامنا الذي استعاده أيضا جيلنا عمّن سبقنا ونستمر ننتج لغة خشبية لعينة؟
هل تقولون لأولادي وأولاد جيلهم إن الوطن صعب والأزمة مستعصية ولا بد من طاولة حوار تضم أحفاد الطاولة الحالية؟
هل ستشتمون 8 إن كنتم من 14 والعكس بالعكس؟ هل سنشاهدكم مع حفيد وليد عبّود تحملون الكراسي، بموضوعية، خدمة لرفعة الكلمة؟
هل ستحرقون الدواليب نصرة لقضايا البيئة؟
هل سيصبح المطار للطائرات التي تحط عاموديا فقط، في إطار مخطط إعمار كل سنتمتر مربع من أراضي لبنان وأن البناء في الملك العام من ضرورات الإنماء؟!
هل ستصبح أرزة العلم يتيمة ومن الأصناف المنقرضة؟
هل ستخصص في السوبرماركت رفوف للأغذية الفاسدة على اعتبار أنها تزيد المناعة؟
هل ستنشئون نقابة لتجار الدواء الفاسد المنتهي الصلاحية؟
هل ستعدون أولادنا بتغيير قانون الانتخاب؟ علما بأنكم ستكونون من المعترضين الأشدّاء على استمرار… قانون الستين؟
لا أظن ذلك… ولا أريد لكم أن تكونوا شهودا على استمرار أزماتنا…
أرغب بشدة أن أكون في صفوف أهلكم معتزّا بمسؤول من بلدي يقف ويقول: كفى!
أرغب بشدة أن تقولوا لأولادي أن زمن توارث الأزمات قد انتهى،
أرغب بشدة أن تقولوا لعيونهم الحالمة إن كوابيس الفساد وعدم الكفاءة تصفعها اليقظة،
أرغب بشدة أن يكون التخطيط حليفكم، لا الارتجال، أن يأتي إلى مواقع الخدمة العامة أكفاء، رؤيويون، كفّهم نظيف، قلبهم على البلد ولهم فيه أبناء غير معدّين للهجرة والتصدير.
لماذا تنجح مؤسساتنا الخاصة وتفشل مؤسسة الدولة فشلا ذريعا؟ وحتى متى تبقى الدولة ومؤسساتها لا تشبه بريق الأمل في عيونكم وبياض النظافة في كفّكم وروعة الطموح في عقلكم؟
أقول ذلك لا لأحمّلكم مسؤولية ما سبق وأنتم منه براء. أقول ذلك لأحمّلكم مسؤولية المستقبل لا الماضي، ويا ليت المسؤولون عن ماضينا يحاسبون على أفعالهم الضارة.
حيثما كنتم، سأرى فيكم ناجحا من لبنان، كفؤا.
هاجروا ما شئتم، طلبا للعلم أو العمل، فلبنان سوق محصور وضيّق والعالم بات قرية كونية واحدة، وإنما لا تهجروا هويتكم.  لا تتركوا هذه الأرض لحفنة من المستفيدين المنتفعين الحقيرين. المعركة بدأت منذ الآن وعليكم أن تختاروا. سلاحنا قلم ومعرفة وسلاحنا قلب ينبض حبا لهذه الأرض وعقلا سيعرف كيف يدافع عنها.
قولوا كفى تراخ، كفى انهزام، كفى هروب، كفى يأس، كفى رضوخ، كفى انعدام تخطيط وارتجال، كفى لا دولة ولا مؤسسات، كفى بكاء على الأطلال، كفى انكفاء.
قولوها، وسأكون هناك، في حفل تخرّج أولادي، واقفا معتزّا بكم مصفّقا وأنا أقول: لا خوف على لبنان. أنتم لبنان القوي، أنتم لبنان الدولة، أنتم لبنان الحلم الآتي..

Continue reading